فصل: المسألة الثانية والثلاثون: (أنواع المفاعيل):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة السادسة والعشرون: [اجتماع العلمية ووزن الفعل]:

لو سميت رجلًا بأحمر لم تصرفه، بالاتفاق، لاجتماع العلمية ووزن الفعل، أما إذا نكرته فقال سيبويه: لا أصرفه، وقال الأخفش: أصرفه.
واعلم أن الجمهور يقولون في تقرير مذهب سيبويه على ما يحكى أن المازني قال: قلت للأخفش: كيف قلت مررت بنسوة أربع فصرفت مع وجود الصفة ووزن الفعل؟ قال: لأن أصله الاسمية فقلت: فكذا لا تصرف أحمر اسم رجل إذا نكرته لأن أصله الوصفية، قال المازني: فلم يأتِ الأخفش بمقنع، وأقول: كلام المازني ضعيف، لأن الصرف ثبت على وفق الأصل في قوله: مررت بنسوة أربع لأنه يكفي عود الشيء إلى حكم الأصل أدنى سبب، بخلاف المنع من الصرف؛ فإنه على خلاف الأصل فلا يكفي فيه إلا السبب القوي، وأقول: الدليل على صحة مذهب سيبويه أنه حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف، أما المقدمة الأولى فهي إنما تتم بتقرير ثلاثة أشياء: الأول: ثبوت وزن الفعل وهو ظاهر، والثاني: الوصفية، والدليل عليه أن العلم إذا نكر صار معناه الشيء الذي يسمى بذلك الاسم.
فإذا قيل: رب زيد رأيته كان معناه رب شخص مسمى باسم زيد رأيته، ومعلوم أن كون الشخص مسمى بذلك الاسم صفة لا ذات، والثالث: أن الوصفية أصلية، والدليل عليه أن لفظ الأحمر حين كان وصفًا معناه الاتصاف بالحمرة، فإذا جعل علمًا ثم نكر كان معناه كونه مسمى بهذا الاسم، وكونه كذلك صفة إضافية عارضة له، فالمفهومان اشتركا في كون كل واحد منهما صفة إلا أن الأول يفيد صفة حقيقية والثاني يفيد صفة إضافية، والقدر المشترك بينهما كونه صفة، فثبت بما ذكرنا أن حصل فيه وزن الفعل والوصفية الأصلية فوجب كونه غير منصرف لما ذكرناه.
فإن قيل: يشكل ما ذكرتم بالعلم الذي ما كان وصفًا فإنه عند التنكير ينصرف مع أنه عند التنكير يفيد الوصفية بالبيان الذي ذكرتم.
قلنا إنه وإن صار عند التنكير وصفًا إلا أن وصفيته ليست أصلية لأنها ما كانت صفة قبل ذلك بخلاف الأحمر فإنه كان صفة قبل ذلك، والشيء الذي يكون في الحال صفة مع أنه كان قبل ذلك صفة كان أقوى في الوصفية مما لا يكون كذلك، فظهر الفرق.
واحتج الأخفش بأن المقتضى للصرف قائم وهو الاسمية، والعارض الموجود لا يصح معارضًا، لأنه علم منكر والعلم المنكر موصوف بوصف كونه منكرًا، والموصوف باقٍ عند وجود الصفة، فالعلمية قائمة في هذه الحالة، والعلمية تنافي الوصفية، فقد زالت الوصفية فلم يبق سوى وزن الفعل والسبب الواحد لا يمنع من الصرف، والجواب: أنا بينا بالدليل العقلي أن العلم إذا جعل منكرًا صار وصفًا في الحقيقة فسقط هذا الكلام.

.المسألة السابعة والعشرون: [السبب الواحد لا يمنع الصرف]:

قال سيبويه: السبب الواحد لا يمنع الصرف، خلافًا للكوفيين، حجة سيبويه أن المقتضى للصرف قائم، وهو الاسمية، والسببان أقوى من الواحد فعند حصول السبب الواحد وجب البقاء على الأصل.
وحجة الكوفيين قولهم المقدم، وقد قيل أيضًا:
وما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع

وجوابه أن الرواية الصحيحة في هذا البيت: يفوقان شيخي في مجمع.

.المسألة الثامنة والعشرون: [ما لا ينصرف يكون في موضع الجر مفتوحًا]:

قال سيبويه: ما لا ينصرف يكون في موضع الجر مفتوحًا واعترضوا عليه بأن الفتح من باب البناء، وما لا ينصرف غير مبني، وجوابه أن الفتح اسم لذات الحركة من غير بيان أنها إعرابية أو بنائية.

.المسألة التاسعة والعشرون: [إعراب الأسماء ثلاثة]:

إعراب الأسماء ثلاثة: الرفع، والنصب، والجر، وكل واحد منها علامة على معنى، فالرفع علم الفاعلية، والنصب علم المفعولية، والجر علم الإضافة وأما التوابع فإنها في حركاتها مساوية للمتبوعات.

.المسألة الثلاثون: [سر ارتفاع الفاعل وانتصاب المفعول]:

السبب في كون الفاعل مرفوعًا والمفعول منصوبًا والمضاف إليه مجرورا وجوه:
الأول: أن الفاعل واحد، والمفعول أشياء كثيرة، لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول واحد، وإلى مفعولين، وإلى ثلاثة، ثم يتعدى أيضًا إلى المفعول له، وإلى الظرفين، وإلى المصدر والحال، فلما كثرت المفاعيل اختير لها أخف الحركات وهو النصب، ولما قل الفاعل اختير له أثقل الحركات وهو الرفع، حتى تقع الزيادة في العدد مقابلة للزيادة في المقدار فيحصل الاعتدال.
الثاني: أن مراتب الموجودات ثلاثة: مؤثر لا يتأثر وهو الأقوى، وهو درجة الفاعل ومتأثر لا يؤثر وهو الأضعف، وهو درجة المفعول، وثالث يؤثر باعتبار ويتأثر باعتبار وهو المتوسط، وهو درجة المضاف إليه، والحركات أيضًا ثلاثة: أقواها الضمة وأضعفها الفتحة وأوسطها الكسرة، فألحقوا كل نوع بشبيهه، فجعلوا الرفع الذي هو أقوى الحركات للفاعل الذي هو أقوى الأقسام، والفتح الذي هو أضعف الحركات للمفعول الذي هو أضعف الأقسام والجر الذي هو المتوسط للمضاف إليه الذي هو المتوسط من الأقسام.
الثالث: الفاعل مقدم على المفعول: لأن الفعل لا يستغني عن الفاعل، وقد يستغني عن المفعول، فالتلفظ بالفاعل يوجد والنفس قوية، فلا جرم أعطوه أثقل الحركات عند قوة النفس، وجعلوا أخف الحركات لما يتلفظ به بعد ذلك.

.المسألة الحادية والثلاثون: [أنواع المرفوعات وأصلها]:

المرفوعات سبعة: الفاعل، والمبتدأ، وخبره، واسم كان، واسم ما ولا المشبهتين بليس، وخبر إن، وخبر لا النافية للجنس، ثم قال الخليل الأصل في الرفع الفاعل، والبواقي مشبهة به، وقال سيبويه: الأصل هو المبتدأ، والبواقي مشبهة به، وقال الأخفش: كل واحد منهما أصل بنفسه، واحتج الخليل بأن جعل الرفع إعرابًا للفاعل أولى من جعله إعرابًا للمبتدأ، والأولوية تقتضي الأولية: بيان الأول: أنك إذا قلت: ضرب زيد بكر بإسكان المهملتين لم يعرف أن الضارب من هو والمضروب من هو أما إذا قلت: زيد قائم بإسكانهما عرفت من نفس اللفظتين أن المبتدأ أيهما والخبر أيهما، فثبت أن افتقار الفاعل إلى الإعراب أشد، فوجب أن يكون الأصل هو.
وبيان الثاني أن الرفعية حالة مشتركة بين المبتدأ والخبر، فلا يكون فيها دلالة على خصوص كونه مبتدأ ولا على خصوص كونه خبرًا، أما لا شك أنه في الفاعل يدل على خصوص كونه فاعلًا، فثبت أن الرفع حق الفاعل، إلا أن المبتدأ لما أشبه الفاعل في كونه مسندًا إليه جعل مرفوعًا رعاية لحق هذه المشابهة، وحجة سيبويه: أنا بينا أن الجملة الاسمية مقدمة على الجمل الفعلية، فإعراب الجملة الاسمية يجب أن يكون مقدمًا على إعراب الجملة الفعلية، والجواب: أن الفعل أصل في الإسناد إلى الغير فكانت الجملة الفعلية مقدمة.
وحينئذٍ يصير هذا الكلام دليلًا للخليل.

.المسألة الثانية والثلاثون: [أنواع المفاعيل]:

المفاعيل خمسة، لأن الفاعل لابد له من فعل وهو المصدر، ولابد لذلك الفعل من زمان، ولذلك الفاعل من عرض، ثم قد يقع ذلك الفعل في شيء آخر وهو المفعول به، وفي مكان، ومع شيء آخر، فهذا ضبط القول في هذه المفاعيل. وفيه مباحث عقلية:

.أحدها: [المصدر قد يكون هو نفس المفعول به]:

أن المصدر قد يكون هو نفس المفعول به كقولنا: خلق الله العالم فإن خلق العالم لو كان مغايرًا للعالم لكان ذلك المغاير له إن كان قديمًا لزم من قدمه قدم العالم وذلك ينافي كونه مخلوقًا وإن كان حادثًا افتقر خلقه إلى خلق آخر ولزم التسلسل.

.وثانيها: [فعل الله يستغني عن الزمان]:

أن فعل الله يستغني عن الزمان، لأنه لو افتقر إلى زمان وجب أن يفتقر حدوث ذلك الزمان إلى زمان آخر ولزم التسلسل وثالثها: أن فعل الله يستغني عن العرض؛ لأن ذلك العرض إن كان قديمًا لزم قدم الفعل وإن كان حادثًا لزم التسلسل، وهو محال.

.المسألة الثالثة والثلاثون: [عامل النصب في المفاعيل]:

اختلفوا في العامل في نصب المفعول على أربعة أقوال: الأول: وهو قول البصريين أن الفعل وحده يقتضي رفع الفاعل ونصب المفعول: والثاني: وهو قول الكوفيين أن مجموع الفعل والفاعل يقتضي نصب المفعول، والثالث: وهو قول هشام بن معاوية من الكوفيين أن العامل هو الفاعل فقط، والرابع: وهو قول خلف الأحمر من الكوفيين أن العامل في الفاعل معنى الفاعلية، وفي المفعول معنى المفعولية.
حجة البصريين أن العامل لابد وأن يكون له تعلق بالمعمول، وأحد الاسمين لا تعلق له بالآخر، فلا يكون له فيه عمل ألبتة، وإذا سقط لم يبق العمل إلا للفعل.
حجة المخالف أن العامل الواحد لا يصدر عنه أثران لما ثبت أن الواحد لا يصدر عنه إلا أثر واحد.
قلنا: ذاك في الموجبات، أما في المعرفات فممنوع.
واحتج خلف بأن الفاعلية صفة قائمة بالفاعل، والمفعولية صفة قائمة بالمفعول، ولفظ الفعل مباين لهما، وتعليل الحكم بما يكون حاصلًا في محل الحكم أولى من تعليله بما يكون مباينًا له، وأجيب عنه بأنه معارض بوجه آخر: وهو أن الفعل أمر ظاهر، وصفة الفاعلية والمفعولية أمر خفي، وتعليل الحكم الظاهر بالمعنى الظاهر أولى من تعليله بالصفة الخفية والله أعلم.

.الباب السابع: في إعراب الفعل:

اعلم أن قوله: (أعوذ) يقتضي إسناد الفعل إلى الفاعل، فوجب علينا أن نبحث عن هذه المسائل.

.المسألة الأولى: [تعريف الفعل]:

إذا قلنا في النحو فعل وفاعل، فلا نريد به ما يذكره علماء الأصول لأنا نقول: مات زيد وهو لم يفعل، ونقول من طريق النحو: مات فعل، وزيد فاعله، بل المراد أن الفعل لفظة مفردة دالة على حصول المصدر لشيء غير معين في زمان غير معين، فإذا صرحنا بذلك الشيء الذي حصل المصدر له فذاك هو الفاعل، ومعلوم أن قولنا حصل المصدر له أعم من قولنا حصل بإيجاده واختياره كقولنا قام، أولًا باختياره كقولنا مات، فإن قالوا: الفعل كما يحصل في الفاعل فقد يحصل في المفعول، قلنا: إن صيغة الفعل من حيث هي تقتضي حصول ذلك المصدر لشيء ما هو الفاعل، ولا تقتضي حصوله للمفعول، بدليل أن الأفعال اللازمة غنية عن المفعول.

.المسألة الثانية: [وجوب تقديم الفعل]:

الفعل يجب تقديمه على الفاعل، لأن الفعل إثباتًا كان أو نفيًا يقتضي أمرًا ما يكون هو مسندًا إليه، فحصول ماهية الفعل في الذهن يستلزم حصول شيء يسند الذهن ذلك الفعل إليه، والمنتقل إليه متأخر بالرتبة عن المنتقل عنه، فلما وجب كون الفعل مقدمًا على الفاعل في الذهن وجب تقدمه عليه في الذكر، فإن قالوا: لا نجد في العقل فرقًا بين قولنا: ضرب زيد وبين قولنا: زيد ضرب قلنا: الفرق ظاهر، لأنا إذا قلنا زيد لم يلزم من وقوف الذهن على معنى هذا اللفظ أن يحكم بإسناد معنى آخر إليه، أما إذا فهمنا معنى لفظ ضرب لزم منه حكم الذهن بإسناد هذا المفهوم إلى شيء ما، إذا عرفت هذا فنقول: إذا قلنا: ضرب زيد فقد حكم الذهن بإسناد مفهوم ضرب إلى شيء، ثم يحكم الذهن بأن ذلك الشيء هو زيد الذي تقدم ذكره، فحينئذٍ قد أخبر عن زيد بأنه هو ذلك الشيء الذي أسند الذهن مفهوم ضرب إليه، وحينئذٍ يصير قولنا: زيد مخبرًا عنه وقولنا ضرب جملة من فعل وفاعل وقعت خبرًا عن ذلك المبتدأ.